سورة آل عمران - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله جلّ ذكره: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ}.
{اللهم} معناها يا الله والميم في آخرها بدل عن حرف النداء وهو يا. فهذا تعليم الحق كيفية الثناء على الحق، أي صِفْني بما أسْتَحِقُّه من جلال القَدْر فَقُلْ: يا مالكَ المُلْكِ لا شريكَ لكَ ولا مُعينَ، ولا ظهير ولا قرين، ولا مُقاسِمَ لكَ في الذات، ولا مُسَاهِمَ في المُلْك، ولا مُعَارِضَ في الإبداع.
{تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}.
حتى نعلم أن الملك لك، والمَلِكُ من المخلوقين مَنْ تَذَلَّلَ له، ومنزوعٌ المُلْكُ ممن تكبَّر عليه؛ فَتَجمُّلُ الخَلْقِ في تذللهم للحق، وعِزُّهم في محوهم فيه، وبقاؤهم في فنائهم به.
{وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ}.
بعز ذاتك.
{وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}.
بخذلانك.
وتعز من تشاء بأن تهديه ليشهدك ويوحدك، وتذل من تشاء بأن يجحدك ويفقدك وتعزُّ من تشاء بيُمْنِ إقبالك، وتذل من تشاء بوحشة إعراضك. وتعزُّ من تشاء بأن تؤنسه بك، وتذل من تشاء بأن توحشه عنك. وتعز من تشاء بأن تشغله بك، وتذل من تشاء بأن تشغله عنك. وتعز من تشاء بسقوط أحكام نفسه، وتذل من تشاء بغلبة غاغة نفسه. وتعز من تشاء بطوالع أُنسه وتذل من تشاء بطوارق نفسه. وتعز من تشاء ببسطه بك، وتذل من تشاء بقبضه عنك.
و{تُؤتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} يشد نطاق خدمتك، {وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} بنفيه عن بساط عبادتك. توتي الملك من تشاء بإفراد سِرِّه لك وتنزع الملك ممن تشاء بأن تربط قلبه بمخلوق، {وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ} بإقامته بالإرادة، {وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ} يردُّه إلى ما عليه أهل العادة.
{بِيَدِكَ الخَيْرُ}.
ولم يذكر الشر حفظاً لآداب الخطاب، وتفاؤلاً بذكر الجميل، وتطيراً من ذكر السوء.
{إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ}.
من الحجب والجذب، (والنصرة) والخذلان، والأخذ والرد، والفرق والجمع، والقبض والبسط.


تولج الليل في النهار حتى يَغْلِبَ سلطانُ ضياءِ التوحيد فلا يَبْقَى من آثار النفس وظلماتها شيءٌ، وتولج النهار في الليل حتى كأن شموسَ القلوب كُسِفَت، أو كأن الليل دام، وكأن الصبح فُقِد.
وتخرج الحي من الميت حتى كأن الفترة لم تكن، وعهد الوصال رجع فَتيَّاً، وعُودُ القلوبِ غضّاً طريَّاً.
وتخرج الميت من الحي حتى كأن شجرة البرم أورقت شوكاً وأزهرت شوكاً، وكأن اليائس لم يجد خيراً، ولم يشم ريحاً، وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة.
{وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
حتى لا (كدر) ولا جُهْدَ ولا عَرَقَ جبينٍ، ولا تَعَبَ يمينٍ، لَيْلَهُ روحْ وراحة، ونهارُه طرب وبهجة، وساعاته كرامات، ولحظاته قُرُبات، وأجناس أفعاله على التفصيل لا يحصرها لسان، ولا يأتي على استقصاء كنهها عبارة ولا بيان.
وفيما لوَّحنا من ذلك تنبيه على طريق كيفية الإفصاح عنه.
ويقال لما قال: {وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ} انكسر خُمَارُ كلِّ ظانٍّ أنه مَلِكٌ لأنه شاهد مُلكِهِ يعرض للزوال فَعَلِمَ أن التذلل إليه في استبقاء ملكه أولى من الإعجاب والإدلال.
ويقال المَلِكُ في الحقيقة- مَنْ لا يشغله شيء بالالتفات إليه عن شهود من هو المَلِكُ على الحقيقة.


قوله جلّ ذكره: {لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنُونَ}.
من حقائق الإيمان الموالاةُ في الله والمعاداة في الله.
وأوْلى مَنْ تسومه الهجرانَ والإعراضَ عن الكفار- نَفْسُك؛ فإنها مجبولةٌ على المجوسية حيث تقول: لي ومني وبي، وقال الله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ} [التوبة: 123].
وإن الإيمان في هذه الطريقة عزيز، ومن لا إيمان له بهذه الطريقة من العوام- وإن كانوا قد بلغوا من الزهد والجهد مبلغاً عظيماً- فليسوا بأهل لموالاتك، والشكل بالشكل اليق.
قوله جلّ ذكره: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِى شَيءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ}.
صحبة الحق سبحانه وقربته لا تكون مقرونة بصحبة الأضداد وقربتهم- ألبتة.
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}: هذا خطاب للخواص من أهل المعرفة، فأمَّا الذين نزلت رُتْبَتُهم عن هذا فقال لهم: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى} [آل عمران: 131] وقال: {واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ} [البقرة: 281]. إلى غير ذلك من الآيات.
ويقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} أن يكون عندكم أنكم وصلتم؛ فإن خفايا المكر تعتري الأكابر، قال قائلهم:
وأمِنْتُه فأتاح لي من مأمني *** مكراً كذا مَنْ يأمن الأحبابا
ويقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} لأن يجري في وهم أحد أنه يصل إليه مخلوق، أو يطأ بساطَ العِزِّ قَدَمُ همة بشر، جلَّتْ الأحدية وعزَّت!
وإنَّ من ظن أنه أقربهم إليه ففي الحقيقة أنه أبعدهم عنه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12